يعتبر سلس البول مشكلة حقيقية تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، ويتعلق مدى تأثيرها وفق شدة سلس البول. تعتمد نوعية  علاج سلس البول بشكل أساسي على نوع سلس البول الذي تم تشخيصه، الأمر الذي لن نناقشه هنا في معرض حديثنا، وإنما سوف نتطرق إلى السبل العلاجية وفقاً لنوع سلس البول. 

علاج سلس البول عند بذل الجهد

تتم ملاءمة علاج سلس البول عند بذل الجهد (سلس البول الجهدي) وفقاً لمدى خطورة المشكلة ورغبة المرأة في إختيار العلاج الذي يلائم نمط حياتها. تشمل العلاجات أساليب لتقوية عضلات قاع الحوض (العلاج الطبيعي لعضلات قاع الحوض، طريقة باولا Paula method وغيرها)، حقن مواد عبر الإحليل والخضوع لأنواع مختلفة من الجراحات. قبل إتخاذ قرار بشأن إجراء عملية جراحية، يجب القيام بفحص ديناميكا البول، للمسالك البولية السفلية.

العلاج الطبيعي لعضلات قاع الحوض

عضلات قاع الحوض هي عضلات إرادية، وتشكل جزءاً هاماً في التحكم بعملية التبول. عندما تمتلئ المثانة البولية، تقوم بإرسال إشارات إلى الدماغ، تدل على الحاجة إلى التبول، ويتم إتخاذ القرار بشأن تنفيذ عملية التبول في الدماغ، وعندها يقوم الدماغ بإرسال إشارات عصبية نحو المثانة، وبالتالي تكون مصرّة (Sphincter) المثانة مفتوحةً أو مغلقةً، وفقاً لهذا القرار. عند ضبط التبول – يقوم الدماغ بإرسال إشارات إلى المثانة لترك المصرة مغلقة. تعتمد آلية إنقباض المصرة على عضلات إرادية وأخرى لا إرادية، وتشكل عضلات قاع الحوض جزءاَ مهماً من هذه الآلية. تشمل مبادئ العلاج الطبيعي في حالات سلس البول عند بذل الجهد، تعلم التحكم بشكل إرادي بعضلات قاع الحوض وتقويتها، إضافةً إلى تعلم التحكم بعضلات أخرى تسهل على عمل عضلات قاع الحوض. يمكن ممارسة تمارين  علاج سلس البول الطبيعي بشكل إنفرادي أو جماعي، وأحياناً تتم الإستعانة بجهاز الإرتجاع البيولوجي أو التحفيز الكهربائي لعضلات قاع الحوض. يستخدم الإرتجاع البيولوجي في تعلم التحكم بهذه العضلات عن طريق إرتجاع تحصل عليه المريضة – خلال ممارستها التمارين الرياضية – من موجات كهربائية يتم توليدها في هذه العضلات عند تشغيلها، أو عن طريق قياس قوة العضلات التي تقوم المريضة بإنتاجها خلال تشغيل هذه العضلات. من أجل الحصول على النتائج المثالية لهذا العلاج، يجب المواظبة عليه لمدة 4 – 6 جلسات علاجية مع أخصائي في العلاج الطبيعي، متخصص في هذا المجال تحديدا.

ينبغي على المريضة أن تعلم بأنه من الضروري المواظبة على تشغيل وتمرين العضلات بشكل صحيح من أجل المحافظة على النتائج.

حقن مواد مالئة عبر الإحليل (Bulking Agents)

يتم إجراء علاج سلس البول هذا تحت تأثير التخدير الموضعي فقط، دون أي جراحة، وهو يعتمد على حقن مواد في المنطقة المحيطة بالإحليل. يؤدي حقن هذه المواد إلى تضيّق الإحليل بشكل مؤقت وإلى زيادة المقاومة فيه. يتم بهذه الطريقة تخفيف، أو معالجة، حالة سلس البول أثناء بذل الجهد. في الماضي، وطوال سنوات عديدة، كان من المتبع إستخدام مواد مختلفة للحقن، كالدهن الذي يتم إستخراجه من جسم المريضة، Teflon والكولاجين. وقد حققت معظم هذه المواد  تأثيرا محدودا، إستمر لمدة سنة واحدة – سنتين. أما مؤخراً، فقد تم تطوير مواد لا يتم إمتصاصها بسرعة من قبل الإحليل، ويستمر تأثيرها لعدة سنوات. من بين هذه المواد، الـ- Bulkamid. لا يحتاج إجراء العلاج بالحقن إلى المكوث في المستشفى، ويُسمح للمريض بالمغادرة عند قيامه بالتبول. أبلغت نحو 70% من النساء اللواتي خضعن للمعالجة بالحقن عن شفائهن أو عن تحسن في حالة سلس البول، عقب الخضوع لحقنة واحدة. عند زوال تأثير المادة، يمكن حقن المواد مرة أخرى، بعد فترة تتراوح بين 6 أشهر و 12 شهراً. في الحالات التي لم تنجح فيها المعالجة بالحقن في تحقيق تحسن أو شفاء الحالة، يمكن إجراء جراحة دون أية صعوبات.

جراحات إنشاء المعلاق الباضعة جزئياً (Mid Urethral Slings = TVT، TOT، TVT-O)

مجموعة جراحات باضعة جزئياً (Minimal invasive)، تم إجراؤها لأول مرة في نهاية التسعينات. قام طبيب نساء سويدي يًدعى Ulmsten، بتطوير العملية الأولى من هذا النوع، وهي تُدعى شريط المهبل (Tension free vaginal tape – TVT). يتم خلال هذه الجراحة، وضع شريط مصنوع من مادة غير قابلة للإمتصاص (بولي بروبيلين – polypropylene)، في المنطقة الواقعة تحت الاحليل. يتم إدخال هذا الشريط عن طريق المهبل، ويتم إدخال أطراف الشريط إلى منطقة البطن السفلية. يتم إجراء هذه العملية الجراحية باستخدام إبر طويلة، مما يجعل الشق في المهبل صغيرا جداً (نحو 2 سم) ولا توجد غرز مرئية. يتم إغلاق الفتحات في البطن السفلية باستخدام الغراء. شكلت هذه العملية الجراحية نقلة نوعية في مجال جراحات علاج سلس البول، نظراً لأنها حققت نتائج رائعة وطويلة الأمد، مثل تلك التي تم الحصول عليها في عمليات البطن التي أجريت لعلاج سلس البول الجهدي، مع نسبة ضئيلة من المراضة. تتراوح نسب الشفاء أو التحسن عقب الخضوع لهذه العملية بين 85% – 90%. في السنوات الأخيرة، إزداد رواج الأسلوب الجراحي الذي يعتمد على إدخال إبر الشريط عن طريق الأربية في المنطقة التي تُدعى الغشاء السدادي (Obturator membrane)، عوضاً عن إدخالها عن طريق البطن السفلية. أدى هذا التغيير إلى التقليل من مضاعفات إختراق الإبر للمثانة البولية بشكل ملحوظ، مع الحفاظ على نتائج مماثلة لجراحة الـ-TVT. يطلق على هذا الأسلوب الجراحي اسم  Trans Obturator Tape –TOT، أو TVT-obturator (TVT-O). قارنت العديد من الدراسات بين هاتين الجراحتين اللتين تعتمدان على إنشاء معلاق (عن طريق البطن السفلية والأربية)، وتبين بأن الجراحتين فعالتان بشكل مماثل في علاج سلس البول. لكن طبيعة المضاعفات قد اختلفت بين الجراحتين. ففي جراحة TVT، لوحظت نسبة أكبر من إختراق المثانة البولية خلال العملية، بينما تبين في جراحة TOT، أن هنالك نسبة أكبر من الآلام في منطقة الوركين بعد العملية.

جراحات إنشاء معلاق، دون إستخدام المبازل (Trocarless mid urethral slings)

يتميز الجيل الجديد من الشرائط التي تستخدم في العمليات الجراحية التي تهدف إلى علاج  حالات سلس البول الجهدي بالحد الأدنى من التدخل الجراحي، ويتمثل ذلك بالشرائط التي لا تخترق الجلد في منطقة الأربية، وإنما يتم تثبيتها في الغشاء السدادي. يتم إدخال هذه الشرائط عن طريق شقوق صغيرة جداً في المهبل (1 – 2 سم)، ويمكن إجراء هذه الجراحات تحت تأثير التخدير الموضعي. المحاولة الأولى في استخدام هذه هذه الشرائط مماثلة لاستخدام الشرائط التي تمر عبر الغشاء السدادي، ولكن تبين إن هنالك إختلافاً كبيراً في نسب النجاح بين المنتجات المختلفة. من بين المنتجات المتوفرة حالياً: Mini Arc، TVT-S، I Stop وغيرها. لذلك، يجب إستشارة الجراح قبل إجراء العملية، بخصوص نوع الشريط الذي يستخدمه ونتائج العمليات التي يقوم بها باستخدام هذا النوع من الشريط. النتائج التي تم الحصول عليها حتى الآن عند إستخدام TVT-S، كانت مخيبة للآمال، مقارنةً بالأساليب الجراحية الأخرى، بينما كانت النتائج التي تم الحصول عليها عند إستخدام Mini Arc، واعدة ومشابهة للنتائج التي تم الحصول عليها عند إدخال الشريط عبر الأربية.

جراحات خلف العانة (Burch، MMK)

هو نوع من الجراحات يستوجب إحداث شق في الجزء السفلي من البطن، الأمر الذي يتيح الوصول إلى المثانة والإحليل عن طريق البطن. يتم في هذه العملية وضع غرز في منطقة عنق المثانة، ويتم إلصاقها بالأنسجة الضامة (السمحاق – periosteum) التي تغلف عظام الحوض وتثبيتها بها. يتم غالباً إستخدام غرز غير قابلة للإمتصاص، مما يجعل النتائج طويلة المدى (سنوات عديدة). وتتراوح نسب نجاح هذه العملية بين 85% – 90%. نظراً للحاجة إلى إحداث شق في البطن، فإن معدل المراضة المقرون بهذه العملية يكون أعلى، وبالتالي فإن فترة النقاهة والتماثل للشفاء تكون أطول مقارنة بجراحات المعلاق الباضعة جزئياً. بفضل الشعبية الكبيرة التي حظيت بها هذه العمليات خلال السنوات الطويلة، فإننا نعرف الكثير عنها، بما في ذلك نتائجها ومضاعفاتها. لا يزال يتم إجراء هذا النوع من الجراحات، خصوصاً عند الحاجة إلى فتح البطن لسبب آخر (مثل إستئصال الرحم، إستئصال ورم وغيرها). يتم إجراء هذه الجراحة عن طريق التنظير (Laparoscopicc)، ولكن منذ البدء بإجراء جراحات المعلاق الباضعة جزئياً، يقلّ اللجوء إلى هذه الجراحات، حتى أنه آخذ في الزوال تماما. 

علاج سلس البول الإلحاحي

يكون سلس البول الإلحاحي مصحوباً عادةً بأعراض أخرى لفرط نشاط المثانة، والتي تشمل الإلحاح والتكرار في التبول والتبول الليلي (Nocturia). يعتبر هذا النوع من سلس البول محبطاً أكثر من سلس البول الجهدي، ويؤثر سلباً على جودة الحياة، إلى درجة قد تدفع المريض الى العزلة والإمتناع عن التقاء الأصدقاء والأقارب بسبب الإحراج الكبير الذي يشعر به المريض من جراء سلس البول اللا إرادي. تتم ملاءمة علاج سلس البولل الإلحاحي وفقاً لمدى خطورة المشكلة ورغبة المريض في إختيار العلاج المناسب لنمط حياته.

تشمل العلاجات، بالأساس، العلاجات الدوائية ويتم أحياناً الدمج بينها وبين أساليب وطرق لتقوية عضلات قاع الحوض (العلاج الطبيعي لعضلات قاع الحوض، طريقة باولا وغيرها). لا تشكل العمليات الجراحية حلاً لهذا النوع من سلس البول.

علاج سلس البول الإلحاحي دوائيا

يعتمد العلاج الدوائي على الأدوية التي تؤدي إلى ارتخاء عضلة المثانة البولية، مما يؤدي إلى زيادة حجم المثانة قبل الإحساس بالإلحاح للتبول. يعتمد إرتخاء عضلة المثانة على حصر المستقبلات الموسكرينية (muscarinic receptors)، ومن هنا تنبع التأثيرات الجانبية لهذه الأدوية، والتي تشمل: جفاف الفم، الإمساك، تغيم الرؤية وأحياناً ضعف الذاكرة والإرتباك.

أضف تعليقك